خصائص السيرة النبوية حَظِي المسلمون بحفظ أدقّ التفاصيل من حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكلّ ذلك كان بفضل الصحابة الكرام الذين كانوا حوله، ولاقت هذه المؤلّفات من العلماء عبر التاريخ اهتماماً كبيراًعلى مدى العصور،[١]وللسيرة النبويّة العديد من الخصائص، منها ما يأتي:[٢][٣] الوضوح في جميع مراحلها، وهذا لم يكُن في غيرها من سِيَر الأنبياء والمُرسلين قبله، فقد ذكر أهل التاريخ ولادة النبي، وطُفولته، وجميع مراحل حياته بأدقِّ تفاصيلها، مما يجعلُه قدوةً للنّاس، ومثلاً للاتّباع. المثاليّة في جميع نواحي حياته، بعيداً عن الغُلوّ أو إخراجه عن إنسانيّته، فقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- كاملاً ومثاليّاً في سيرته، أباً، أو زوجاً، أو قائداً، وذلك في جميع حياته الشخصيّة والاجتماعيّة، فهو أحقّ أن يُتّبع. الشُّمول والتكامُل، من حيثُ تضمنّها لجميع جوانب حياته، كإنسان، أو داعيّة، أو حاكِماً، فقد وُصفت حياته وصفاً دقيقاً في جميع الجوانب. الدليل العمليّ على صدق رسالته ونبوّته، من خلال تدرُّجه عند بدء الدعوة في حياته، ومُلاقاته للأذى، وصبره على ذلك، حتى أصبح له أنصاراً وأتباعاً. ربانيّة المصدر، وتعني أنّه مُرسلٌ من الله -تعالى-، لقوله: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً)،[٤] ويتلقّى تعاليمه منه، ولا يأتي بشيءٍ من ذاتِ نفسه. الثُّبوت والصّحة، فقد جاء ذِكرُ بعض جوانبها في القُرآن الكريم؛ كحياته، أو دعوته، ونُزول الوحي عليه، وبعض غزواته، وأخلاقه، كما جاء كذلك ذكرُ الكثير من هذه الجوانب في الأحاديث الصحيحة، كصحيح البُخاريّ ومُسلم وغيرهم. الوسطيّة واليُسر، فقد جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإسلام الذي يدعو إلى الوسطيّة، واليُسر، والتّبشير وعدم التّنفير، والبُعد عن الغُلوّ والتطرُف، كقوله -عليه الصلاة والسلام-: (يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا، وبَشِّرُوا، ولا تُنَفِّرُوا)،[٥] وقد كان يتمثّل هذا في حياته كلها. تواصل حمل رسالته وعدم الانقطاع في تبليغها، مما يُميّز السيرة النبويّة في بقائها بعد موت النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتناقُلها من جيلٍ إلى جيل.[٦] الفرق بين السيرة والسنة تُعرّف السُنّة بأنّها كُلُّ ما ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من قولٍ، أو فعلٍ، أو تقريرٍ، أو صفة،[٧] أمّا السيرة فتُطلق على تاريخ حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- وجهاده، وغير ذلك من جوانب حياته الشّريفة، وتُسمّى الكُتب التي دُوّنت فيها بِكُتب السيرة النبويّة،[٨] وهُناك العديد من الفُروقات بينهما، ومنها ما يأتي:[٩][١٠] السُّنّة أعمّ وأشمل من السّيرة، حيثُ إنّ السيرة تهتمُ بالجوانب الدعويّة، والسياسيّة، والعسكريّة، في حياة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتقومُ بعرضها بأسلوبٍ قَصَصيّ؛ للتعرّف على حياة النبي -عليه الصلاة والسلام-، والاستمتاع بسيرته، فتجدُ كُتب السيرة تذكُر المحطات الكُبرى في حياته، بالإضافة إلى سردها للأحداث بِشكلٍ عام من غير تركيزٍ على التفاصيل، وعلى الجانب الآخر فإنّ السُّنّة تهتمّ بالتفاصيل الدقيقة من حياته؛ كبيته، وأحواله مع زوجاته، وأصحابه، وتَذَكُّر الآخرة، والأحكام الفقهيّة، وغير ذلك في جميع جوانب الدُنيا والآخرة، فتكون السيرةُ جُزءاً من السُنّة، لذلك قام الإمام البُخاري بتسمية كتاباً من صحيحه بسيرة النبي -عليه الصلاة والسلام-. كان اهتمام الصحابة الكرام بتدوين السُّنّة ونقلها، والاهتمام بالصحيح والضعيف منها، وتوثيق الأمور الفقهية والأخلاقية والعقائدية الواردة عن النبي، على عكس السّيرة، فهي تعتمد على عُلماء الحديث والسُّنّة في بيان صحّتها وصحّة القَصَص الواردة فيها. أهميّة السيرة النبوية إن للسيرة النبويّة أهميّةً عظيمة في حياة المُسلمين، ومنها ما يأتي:[١١][١٢] بيان ووضوح الطريق التي أمرنا الله -تعالى- باتّباعه، والسَّير على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، وذَكر الله -تعالى- هذه الأهمية بقوله: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)،[١٣] وليتمكّن المُسلم من الاقتداء به في جميع شؤون حياته، لقوله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ).[١٤][١٥] الفهم الدقيق للقُرآن الكريم، من خلال تفسيرالسّيرة للأحداث التي مرَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- بها، وموقفه منها، مما يُساعد المُسلم على فهمه الصحيح للدين، بعيداً عن الإشكال الذي قد يقع به عند قراءته للآيات، ومثال ذلك: كان الصحابة الكرام يتحرّجون من الطواف بين الصفا والمروة، لوجود الأصنام عندها، فأنزل الله -تعالى- قوله: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّـهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)،[١٦] فقالت عائشة -رضي الله عنها- إنّها سُّنّة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وليس لأحدٍ أن يترك السّعي. بيان سبب التعارض والتناقض الظاهري الذي قد يَرد في بعض الأحاديث وتوضيحها، بالإضافة إلى إثبات التّاريخ والحضارة للمُسلمين من خلال السيرة